
عودة رحلات الإسبان المسلمين من الأندلس إلى مكة المُكرمة على ظهور الخيول العربية
- ۸ يناير، ۲۰۲۵
- مقالات, مقالات الرأي
- 0 Comments
الاربعاء 8 يناير 2025 ، وكالات أنباء
د. أحمد الشاذلي ، عضو مؤسس ورئيس تحرير جريدة HispArabia Hoy
شهد القرن السابع من الميلاد ظهور نوع جديد من الأدب يُدعى “أدب الرحلات” في منطقة المغرب العربي وبلاد الأندلس جنوب إسبانيا، في إشارة إلى تلك الرحلات التي تكون على محطات يسرد فيها الرحالة ما يرونه في طريقهم، وفي كتاب “الحجاج الإسبان المسلمون إلى مكة المكرمة”، الذي صدر باللغات الثلاثة العربية والإسبانية والإنجليزية، يروي لنا 15 من سكان بلاد الأندلس والموريسكيون، الذين عاشوا في شبه الجزيرة الإيبيرية، خلال الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر تفاصيل عن رحلاتهم وتجاربهم الحياتية وهم في طريقهم إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج.
لقد كشف هذا الكتاب عن ذلك الاتصال التاريخي بين شبه الجزيرة الإيبيرية والمدن السعودية المقدسة، مكة المكرمة والمدينة المنورة، وعن تلك الطرق البرية والبحرية التي تربط بين منطقة المتوسط وهذه المدن، وهو ما يٌذكرنا بذلك الحراك والتواصل الثقافي والتجاري والسياسي الذي يجمع بين إسبانيا والعالم العربي.
وقام بإعداد ونشر هذا الكتاب الصادر في تاريخ 20 ديسمبر لعام 2019م كل من الجمعية الجغرافية في إسبانيا ودار النشر الإسبانية Lunwerg، بإشراف ورعاية اتحاد الشركات الإسبانية المكلفة بتنفيذ مشروع قطار الحرمين الفائق السرعة، ليجمع هذا الكتاب روايات شعراء وجغرافيين وعلماء رياضيات ونبات وأطباء والمؤرخين والحكماء الإسبان المسلمين من الأندلسيين وهم في طريقهم إلى مكة المكرمة، والذي تشابهوا جميعا في اسهاماتهم الكبيرة في دعم التقارب بين الغرب والشرق، وفي تطور الثقافة والعلوم والمعرفة الجغرافية في بلاد الأندلس. وتشابهت تلك الروايات في أنها تتحدث عن العبور من خلال جبل طارق، والسير في الصحراء الإفريقية قبل الوصول إلى القاهرة، حيث كان يجتمع هناك الحجاج القادمون من مختلف المناطق في الغرب، قبل أن يقوموا في وقت لاحق بتجهيز المرحلة الثانية من رحلتهم إلى الأماكن المقدسة في السعودية.
وكان من بين هؤلاء الرحالة عالم الجغرافيا والمؤرخ في القرن السادس عشر أحمد بن عمر بن أنس العذري، الذي ولد في مدينة ألميرية في جنوب شرق إسبانيا في عام 1003م، وعرف مكة المكرمة وهو في عمر الخامسة عشرة، حيث تعلم هناك القرآن، ومحمد بن أحمد بن جبير، الذي عاش بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر، ولُقب بالأب الروحي لهذه الرحلات، حيث ترك لنا أخبار رحلاته وقدم شرحا للأوضاع السياسية والدينية آنذاك في مناطق جنوب أوروبا والشرق الأوسط، وضياء الدين أبو محمد عبد الله المالقي نسبة إلى مدينة ملقة في جنوب إسبانيا، الذي كان يعمل مديرا للحدائق في دمشق، ويعد من أبرز حكماء وأطباء بلاد الأندلس، وكان يعد كذلك عالم النباتات الأشهر في الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر. كما كان من بين هؤلاء الرحالة كل من أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي، وعالم الرياضيات أبو الحسن علي بن محمد بن علي القرشي البسطي، والمعماري أبو إسحاق الساحلي، وكل من الشاعرين على بن موسى بن سعيد المغربي وأبو الحسن الششتري.
وفي يناير من العام الجاري 2025م، تخرج مجموعة من الإسبان المسلمين على ظهور خيول عربية، ليتجهوا من جنوب إسبانيا، منطقة الأندلس، إلى مدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية، وذلك لأداء فريضة الحج، ليحيوا بذلك ذات التراث الأندلسي، ويستحضروا مجددا ذلك الطريق الذي كان يسلكه أجدادهم من بلاد الأندلس إلى الأراضي المقدسة في المشرق. ويتلقى هؤلاء الحجاج الإسبان الدعم الكبير من المجتمعات المسلمة التي يمروا بها، وتم استقبالهم بحفاوة وكرم، وقُدمت لهم المساعدة في توفير الإمدادات والإقامة.