إسبانيا تبحث مع دول الساحل الإفريقي تخفيف حدة أزمة الهجرة غير النظامية وتعزيز التعاون الأمني المُشترك

مواجهة التوافد المتزايد للمهاجرين غير الشرعيين، ومكافحة عصابات الاتجار بالبشر والتنظيمات الإرهابية والنفوذ الروسي بمنطقة الساحل الإفريقي على رأس أولويات أجندة السياسة الخارجية للحكومة الإسبانية

الأربعاء، 28 أغسطس 2024، فريق التحليل السياسي www.hisparabia.com

استهل رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيث، عودته من الإجازة الصيفية بالقيام في تاريخ 27 أغسطس 2024م ، وبصحبة وزيرة الاندماج والتأمينات الاجتماعية والهجرة إلما سايز، بزيارة رسمية إلى موريتانيا التقى خلالها بالرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني بالقصر الرئاسي في العاصمة نواكشوط، وذلك لبحث سبل تعزيز التعاون مع السلطات الموريتانية في تحسين إدارة ملف الهجرة غير النظامية وتخفيف حدة أزمة التوافد المتزايد للمهاجرين غير الشرعيين نحو الأراضي الإسبانية، وتحديدا من خلال إقليم جزر الكناري في جنوب إسبانيا، كذلك بحث دعم التعاون المشترك في مجال مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، إلى جانب تعزيز تواجد الشركات والاستثمارات الإسبانية في موريتانيا.

صورة مصدرها وكالات أنباء

وتأتي هذه الزيارة ضمن جولة تستمر لمدة ثلاثة أيام يعتزم خلالها كذلك رئيس حكومة إسبانيا القيام بزيارة إلى دول الساحل الإفريقي، والتي ستشمل زيارة كل من السنغال و غامبيا، وهي الدول التي تمثل نقاطا رئيسية لما يعرف بمسار المحيط الأطلسي الذي تمر من خلاله مراكب الهجرة غير الشرعية وتنتشر عصابات الاتجار بالبشر والمخدرات والجماعات الإرهابية لتصل في الأخير إلى كل من إقليم جزر الكناري بإسبانيا والمغرب.

أعلن رئيس الحكومة الإسبانية أثناء زيارته إلى موريتانيا بأن حكومته قررت رفع مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين إلى عقد قمم دورية مثل تلك التي تقوم بها إسبانيا مع المغرب، على أن تُعقد القمة القادمة في موريتانيا ويكون هدفها تعزيز علاقات التعاون بين الدولتين، التي وصف المسؤول الإسباني بأنها “تمر بأفضل أوقاتها”. وأشار رئيس حكومة إسبانيا أثناء هذه الزيارة إلى أنه بحث مع السلطات الموريتانية كيفية تعزيز التعاون لمواجهة ملف الهجرة غير النظامية، مؤكدا على أن إسبانيا كانت ومنذ وقت ليس ببعيد دولة مهاجرين، خرج منها الكثير من المواطنين الإسبان إلى مقاصد أخرى بحثا عن العيش بشكل أفضل، وهو نفس ما يطمح فيه آخرون الآن بحثا عن العيش الكريم معرضين حياتهم للمخاطر. وأضاف قائلا: “بالنسبة لنا فإن ظاهرة الهجرة غير الشرعية هي مسألة مبادئ أخلاقية وتضامن وكرامة، فالهجرة بالنسبة لـ إسبانيا هي بمثابة ثروة وتنمية وازدهار، كما أن الهجرة ليست مشكلة وإنما هي بمثابة حاجة لها بعض المشكلات التي يجب أن نبحث لها عن طرق لتحسين إدارتها بحيث تكون هجرة آمنة ومنظمة، نكافح من خلالها عصابات الاتجار بالبشر”. وذكر المسؤول الإسباني بأن بلاده ستوقع على مذكرة تفاهم مع موريتانيا لتحسين نموذج هذه الهجرة المُنتظمة والدورية، بحيث يكون توافد المهاجرين أكثر تنظيما وشرعية”.

وبحث كذلك رئيس الحكومة الإسبانية مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني علاقات التعاون السياسي والثقافي والأمني والتجاري التي تجمع بين موريتانيا وكل من إسبانيا ودول الاتحاد الأوروبي. وأشاد المسؤول الاسباني بدور موريتانيا في دعم الأمن والاستقرار الإقليمي أمام تحديات أمنية هامة، وتعهد بتقديم الدعم اللازم إلى موريتانيا لتعزيز هذا الدور، كذلك تعزيز التعاون الموريتاني- الإسباني في مجال انتاج الطاقات المتجددة، في وقت يتجه فيه العالم لدعم اقتصاد بدون انبعاثات كربونية وتقديم حلول بيئية نظيفة. فيما أشاد الرئيس الموريتاني بدعم كل من الاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي للاستثمار وإسبانيا لقطاعات البنية التحتية الرقمية والصحية والصيد والزراعة في موريتانيا، وبتعهد الحكومة الاسبانية تسهيل تمويل الشركات الإسبانية الراغبة في الاستثمار داخل السوق الموريتاني.

وأشاد كذلك رئيس الحكومة الاسبانية بجهود السلطات الموريتانية في حفظ أمن واستقرار منطقة الساحل الافريقي، مؤكدا على أن إسبانيا مستمرة في دعم القوات العسكرية وقوات الأمن الموريتانية بالأفراد قوات من الشرطة والحرس المدني الإسباني والمعدات والتأهيل لمكافحة الارهاب. وأشاد كذلك بجهود موريتانيا في استقبال اللاجئين، وفي الإدارة الجيدة لنزوح المهاجرين غير النظاميين، ومكافحة عصابات الاتجار بالبشر والمخدرات.

وبحث المسؤولان كذلك ما تعرف بمبادرة فريق أوروبا التي تم توقيعها في أكتوبر 2023م في بروكسل وتهدف لوضع قواعد للتعاون في مجال انتاج الهيدروجين الأخضر بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا، حيث قامت بعثة من الشركات الأوروبية بزيارة موريتانيا خلال شهر مارس 2024م، لبحث الفرص المتاحة للاستثمار في تطوير البنية التحتية في نواكشوط و نواذيبو لإنتاج الهيدروجين الاخضر والطاقة الكهربائية في إطار ما يعرف باسم مشروع Global Gateway.

وتعكس هذه الزيارة اهتمام الحكومة الإسبانية بتعزيز التعاون الأمني مع دول مجموعة الخمسة G5 الإفريقية بمنطقة الساحل وفي مقدمتها موريتانيا، وحرصها على تقديم الدعم لتلك الدول التي تساعد إسبانيا في ضبط حركة المهاجرين غير النظاميين وضمان الاستقرار والأمن في منطقة ساحل المحيط الأطلنطي، بمراقبة حركة المهاجرين غير الشرعيين وتقليص أعداد النازحين نحو سواحل إقليم جزر الكناري في جنوب إسبانيا، كما تهتم الحكومة الإسبانية بتكثيف التعاون مع دول الساحل الإفريقي وتبادل المعلومات الأمنية معها لمنع تسلل العناصر الإرهابية القادمة من العمق الإفريقي ومن ليبيا نحو الأراضي الإسبانية كذلك مراقبة عصابات تهريب المخدرات والأسلحة ونزوح الهجرة غير الشرعية وهو ما يهدد الأمن القومي الإسباني بشكل مباشر.

ويعكس كذلك حرص الحزب الاشتراكي الحاكم في إسبانيا في تعزيز علاقات التعاون الأمني والاقتصادي مع دول الساحل الإفريقي اختلاف توجهات هذا الحزب في حل أزمه الهجرة غير النظامية مع غريمه السياسي الحزب الشعبي اليميني المُعارض PP، حيث يدافع الأول عن أن تحسين إدارة الهجرة يأتي من خلال تفعيل سياسيات تدعم التعاون والمشاركة في التنمية في تلك البلدان الطاردة والمُصدرة للمهاجرين، إلى جانب الدول التي يمر من خلالها هؤلاء المهاجرين قبل الوصول لإسبانيا – وتحديدا المغرب ودول الساحل الإفريقي-، وهي السياسات التي تُسهم – وفقا للحزب الاسباني الحاكم- في تقليل وصول المهاجرين غير النظاميين وضمان حقوقهم الإنسانية. فيما يُدافع الحزب الاسباني المُعارض عن ضرورة التعامل بحزم أكبر مع وصول المهاجرين غير الشرعيين إلى الأراضي الإسبانية، بما في ذلك اللجوء إلى استخدام القوة المُسلحة، على اعتبار أن توافد أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين يتسبب في التأثير سلبا على أمن واستقرار الأقاليم الإسبانية الساحلية التي تصل إليها قوارب الهجرة غير الشرعية.

الجدير بالذكر بأن إسبانيا تعد بمثابة شريك أمني استراتيجي لدول الساحل الافريقي، وهي المنطقة ذات الأولوية بالنسبة لإسبانيا، خاصة وأنها بمثابة قلب جيواستراتيجي محوري للقارة الأفريقية الذي يؤثر بشكل مباشر على علاقات دول ساحل البحر المتوسط وغرب آسيا، وتزايد الاهتمام الإسباني بتلك المنطقة بعدما تصاعدت المشكلات الأمنية من جهة ومن جهة أخرى تعاظم الاهتمام والتنافس الدولي وتحديدا الروسي حول الموارد والنفوذ في تلك المنطقة التي تعد بمثابة مدخل رئيسي للسيطرة على القارة الإفريقية.

وحذرت الحكومة الإسبانية من أن تكون الحرب الروسية في أوكرانيا سببا في نسيان الدول الاعضاء بحلف شمال الأطلنطي “الناتو” لتلك التحديات القادمة من القارة الإفريقية ومنطقة الساحل الافريقي، لاسيما في ظل تزايد التوسع الروسي في هذه المناطق، وتصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية والمتطرفة. وتعتبر الحكومة الاسبانية بأن روسيا قد وجدت في إفريقيا مكانا مناسبا للتوسع في هذه القارة، سواء كان بطريقة مباشرة من خلال الجيش الروسي أو بشكل غير مباشر من خلال شركة Wagner الروسية العسكرية الخاصة، المتورطة في استقطاب مرتزقة وارسالهم إلى مناطق الصراع المسلح المختلفة، وأضافت بأن أي فراغ ستتركه أوروبا أو حلف الناتو في إفريقيا سوف يتم استغلاله بشكل تام من قبل روسيا.كما تعتبر حكومة إسبانيا بأن إفريقيا قد تحولت لتكون منطقة ذات تنافس جيوسياسي بالنسبة لروسيا، وأن تزايد النفوذ الروسي فيها يتسبب في زيادة عدم الاستقرار، وزيادة الدعم الروسي لبلدان افريقية محكومة بأنظمة سياسية قامت على انقلابات عسكرية، فضلا عن التسبب في توسع التنظيمات الإرهابية وزيادة الممارسات الاجرامية مثل الاتجار بالبشر أو بالأسلحة.

اترك تعليقا