الصدام مع إيران والدعم غير المباشر لإسرائيل يدفعان إسبانيا لرفض المشاركة في أي بعثاث عسكرية لتأمين الملاحة في البحر الأحمر

رفضت إسبانيا المُشاركة في أي من المبادرات الدولية أو الأوروبية لتأمين حركة السفن التجارية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر أمام هجمات مليشيات الحوثي، حيث أعلنت حكومة إسبانيا في وقت سابق عن عدم اعتزامها الانضمام إلى مبادرة حارس الازدهار الأمريكية أو لتلك البعثة العسكرية التي أعلن عنها المجلس الأوروبي، وتحمل اسم Aspides.

اتضح خلال الأيام الماضية بأن رفض حكومة إسبانيا الحالية المشاركة في أي من البعثات العسكرية الأمريكية أو الأوروبية لتأمين حركة السفن التجارية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، قد جاء بعد ضغوط كبيرة ومستمرة مارستها حركة اتحاد قوى اليسار Sumar داخل التشكيل الوزاري للحكومة الائتلافية الحالية في إسبانيا، لاسيما وأن تلك الحركة السياسية ترفض دخول إسبانيا وقواتها العسكرية في أي صدام مباشر بمنطقة الشرق الأوسط مع إيران والمليشيات الموالية لها مما يُهدد بتفاقم الأوضاع الأمنية الإقليمية، لاسيما في ظل استمرار الحرب الاسرائيلية في قطاع غزة، وتزايد المخاوف من أن يمتد هذا الصراع إلى دول أخرى في المنطقة.

كان المجلس الأوروبي قد أعلن رسميا بتاريخ 19 فبراير 2024م عن تدشين بعثة عسكرية بحرية مكونة من 4 سفن حربية لحماية مسار سفن الشحن التجارية بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب أمام هجمات مليشيات الحوثي، وأطلق على هذه البعثة اسم Aspides، وتشارك في البعثة المذكورة كل من القوات البحرية لألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان، على أن تدير إيطاليا العمليات من القاعدة المركزية المتواجدة في اليونان.

وأكد المجلس الأوروبي بأن البعثة ستكون لأهداف دفاعية فقط، ولن تقوم بتنفيذ أي هجمات ضد مواقع مليشيات الحوثي في اليمن، وذكر بأن البعثة العسكرية ستشمل مضيق باب المندب، وتمتد كذلك حتى مضيق هرمز، ومسار حركة التجارة بين كل من البحر المتوسط والمحيط الهندي عبر بحر العرب، وحركة السفن في البحر الأحمر، وخليج عمان، والخليج العربي.

وكان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بورريل، قد وصف هذه البعثة الأوروبية بأنها بمثابة رد على ضرورة استعادة الأمن البحري في ممر استراتيجي، ولحماية المصالح الأوروبية ومصالح المجتمع الدولي في هذه المنطقة.

أما وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، فكان قد أكد في وقت سابق بأن إسبانيا تدين الهجمات التي يقوم بها الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر، مؤكدا على أن المبادئ الأساسية للقانون الدولي تنص على حرية الملاحة في أعالي البحار.

وذكر بأن إسبانيا ليست مضطرة للمشاركة في جميع العمليات العسكرية الموجودة في العالم، وأن بلاده لديها أكبر عدد من القوات العسكرية المتواجدة بالخارج، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وعند الحدود الأوروبية مع روسيا.

ونفى المسؤول الاسباني بأن يكون هناك ضغوط من الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية على إسبانيا للمشاركة في البعثات العسكرية المعنية بتأمين حركة السفن التجارية في البحر الأحمر.

وأضاف بأن حكومة إسبانيا اقترحت في وقت سابق بأن يقوم الاتحاد الأوروبي بإعداد بعثة عسكرية خاصة، تنضم إليها الدول الراغبة في ذلك، ويكون هدفها محدد وهو تأمين حركة السفن في البحر الأحمر.

ودافع وزير الخارجية الاسباني عن عدم مشاركة إسبانيا في أي مبادرة عسكرية في مضيق باب المندب أو البحر الأحمر، مؤكدا على أن إسبانيا تتخذ قراراتها بشكل سيادي، وشدد على أن التزام إسبانيا بإقرار السلام والأمن الدوليين ليس محل شك.

تجدر الإشارة بأن حزب “بوديموس Podemos” اليساري الاسباني كان قد طالب مجلس النواب في إسبانيا بالتصويت على مُقترح المشاركة المُحتملة للقوات المُسلحة الاسبانية في مبادرة الولايات المُتحدة الأمريكية لتأمين السفن التجارية في البحر الأحمر، وذلك إذا ما تطرق رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيث، لإمكانية قبول المقترح الأمريكي بإرسال ضباط للاتصال للتنسيق بين القوات العسكرية لتلك الدول المُشاركة في المبادرة الأمنية المذكورة.

وأعرب الحزب الإسباني عن قلقه الكبير تجاه هذا المقترح، حيث اعتبر بأن سيكون بمثابة إقحام لإسبانيا في حرب جديدة، يكون الدور الاسباني فيها هو بمثابة الحارس الشخصي للولايات المُتحدة الأمريكية ولعمليات القصف الجوي الأمريكي في اليمن. وذكر الحزب الاسباني بأنه من غير المقبول إقحام إسبانيا في صراع مُسلح، وأنه يتوجب في أي حال من الأحوال أن يوافق مجلس النواب أولا على إمكانية إرسال قوات عسكرية إلى هذه المنطقة، وذلك وفقا لما ينص عليه قانون الدفاع الوطني في إسبانيا.

وأضاف بأنه من المُلفت للنظر أن نرى العالم قريب جدا من الدخول في حرب باليمن، بدلا من اتخاذ تدابير محددة لمواجهة عمليات الإبادة الجماعية التي تحدث في فلسطين.

جاءت تصريحات الحزب الإسباني بعدما كشف رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيث، في وقت سابق بأن حكومته ستذهب لدراسة المقترح الذي قدمته الإدارة الأمريكية إلى إسبانيا بإرسال ضباط إسبان للاتصال للمشاركة في مبادرة “حارس الازدهار” الأمنية بدلا من إرسال سفن أو قوات عسكرية إسبانية.

ويلاحظ مما سبق بأن قوى التيار السياسي اليساري في إسبانيا، وحركة Sumar، قد استمرت في الضغط على شريكها السياسي وهو الحزب الاشتراكي الحاكم في إسبانيا للحيلولة دون أن تشارك الأخيرة بأي قوات أو وحدات عسكرية، سواء كان ضمن المبادرة الأمريكية “حارس الازدهار” أو أي مبادرات أوروبية مماثلة، خاصة وأن هذا التيار السياسي يرفض أن تنجرف إسبانيا وراء المخططات الأمريكية في المنطقة، إلى جانب دفاع قيادات داخل هذا التيار عن المصالح الايرانية في الخارج، وذلك لكون النظام الايراني من أكبر الداعمين لتأسيس هذه التكتلات السياسية اليسارية في إسبانيا، وتحديدا الحزب اليساري الراديكالي Podemos، بهدف خدمة مصالحه داخل إسبانيا والاتحاد الأوروبي ومنطقة أمريكا اللاتينية، إلى جانب أن هذه التكتلات السياسية تعتبر بأن المشاركة في أي من البعثات العسكرية المذكورة في البحر الأحمر سيعني تقديم الدعم لإسرائيل بشكل غير مباشر، والتسبب في مواجهات وصدام إقليمي يزيد من تدهور الأوضاع الأمنية في منطقة الشرق الأوسط.

الاستنتاج

يتضح مما سبق بأن تخلف إسبانيا عن المشاركة في البعثات العسكرية الأمريكية والأوروبية في البحر الأحمر يرجع لنجاح ضغوط قوى التيار اليساري داخل وخارج الحكومة المركزية الإسبانية في إقناع الحزب الاشتراكي الحاكم بأن المشاركة في أي بعثات عسكرية، أوروبية كانت أو تحت إدارة أمريكية، في منطقة باب المندب أو البحر الأحمر، سيتسبب في زيادة التوتر الأمني في المنطقة، وربما تُقحم الدول المشاركة فيها في مواجهة عسكرية مع إيران والمليشيات الموالية لها في هذه المنطقة، مما يؤدي إلى تفاقم الصراع وانهيار الاستقرار الإقليمي.

فضلا عن وجود قطاع داخل هذه القوى اليسارية يعتبر بأن مشاركة إسبانيا في هذه المبادرة سيعني اقحامها في حرب جديدة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية سيكون لها تبعيات سلبية على أمن القوات العسكرية الاسبانية الموجودة في المنطقة، خاصة في لبنان.