قانون العفو السياسي: حيلة الحزب الاشتراكي الحاكم في إسبانيا لحل الأزمة السياسية في إقليم كتالونيا أم لضمان البقاء في السلطة؟

الإثنين، 11 مارس 2024م، فريق التحليل السياسي لموقع www.hisparabia.com

وافقت الأغلبية من أعضاء لجنة شؤون العدل بالبرلمان الإسباني على النص المُعدل من قانون العفو السياسي، وذلك تمهيدا لإخضاع هذا القانون لتصويت أعضاء مجلس النواب يوم الخميس الموافق 14 مارس 2024م، حيث ارتكزت التعديلات التي تم اجرائها على هذا القانون على ضمان أن يشمل هذا الأخير كافة القيادات الانفصالية الكتالونية المسجونة والهاربة، كذلك تلك المُتهمة بدعم والتحريض على العنف وأعمال الشغب والتخريب وإرهاب الشوارع، إلى جانب المتهمين في التعاون مع عملاء من الاستخبارات الروسية لدعم مشروع الانفصال الكتالوني وتأجيج الشارع الكتالوني لارتكاب أعمال تخريبية أو التعدي على السلطات الأمنية في مملكة إسبانيا.

وفي المُقابل، تستمر قوى التيار اليميني المُعارض، بزعامة الحزب الشعبي PP، في تحريك الرأي العام الاسباني ومؤسسات الدولة والهيئات القضائية الرئيسية في إسبانيا، كذلك داخل الاتحاد الأوروبي، ضد تنازلات الحزب الاشتراكي لصالح الأحزاب الانفصالية الكتالونية، لاسيما وأن الأحزاب اليمينية المُعارضة تعتبر بأن منح القيادات المسجونة والهاربة لهذه الأحزاب العفو السياسي – مقابل الاستمرار في الحصول على دعم نواب هذه الأحزاب داخل البرلمان- يعد بمثابة خرق واضح للدستور والقانون في إسبانيا، كذلك بمثابة قفز صارخ على تلك الأحكام القضائية الصادرة بحق القيادات الانفصالية التي أعلنت استقلال إقليم كتالونيا بشكل أحادي الجانب في عام 2017م، لتندلع أزمة سياسية كبيرة داخل هذا الإقليم الواقع في شرق إسبانيا.

اجتاز قانون العفو السياسي بذلك كافة العراقيل التي حرصت على وضعها في طريقه الأحزاب اليمينية المُعارضة، لاسيما تلك العقبة التي تمثلت في القرار الأخير بدائرة الجرائم الجنائية بالمحكمة العليا الإسبانية، بتاريخ 29 فبراير 2024م، بالبدء في محاكمة رئيس الحكومة الكتالونية الأسبق، والزعيم الحالي للائتلاف الانفصالي الكتالوني “معا من أجل كتالونيا JUNTS”، كارليس بويغديمونت، بتهمة الإرهاب، وذلك لوجود أدلة على تورطه في التحريض على أعمال العنف والشغب وتلك الأعمال التخريبية وإرهاب الشوارع -المعروفة باسم توسونامي الديموقراطية- التي شهدتها الاحتجاجات الشعبية التي خرجت في مختلف مدن إقليم كتالونيا في عام 2019م، للتنديد بالأحكام القضائية بالسجن الصادرة بحق القيادات السياسية الداعمة لمشروع الانفصال الكتالوني. كما قررت المحكمة الاسبانية التحقيق كذلك في تعاون الرئيس الكتالوني الأسبق وقيادات انفصالية أخرى مع عملاء بالاستخبارات الروسية للترويج لمشروع الانفصال الكتالوني، وتأجيج الشارع في إقليم كتالونيا وتحريضه ضد الأجهزة الأمنية بالدولة الإسبانية.

وواصل زعيم المُعارضة السياسية في إسبانيا – الحزب الشعبي PP- خلال الأيام الماضية الضغط واستخدام نفوذه من داخل مؤسسات الدولة الاسبانية والأوروبية، البرلمانية والقضائية، من أجل السعي لإدانة القيادات الانفصالية الكتالونية، وتحديدا زعيم الائتلاف الانفصالي الكتالوني “JUNTS”، وذلك لإحراج الحزب الاشتراكي الحاكم PSOE في إسبانيا أمام هذه المؤسسات والرأي العام الإسباني وفي الاتحاد الأوروبي، لاسيما وأن الاشتراكيون وشركائهم من قوى التيار اليساري يواصلون الاصرار على إقرار قانون للعفو السياسي عن كافة القيادات الانفصالية الكتالونية المسجونة والهاربة ، وهو الاصرار الذي يرجع سببه إلى أن نواب الائتلاف المذكور كانوا قد أيدوا استمرار الحزب الاشتراكي على رأس السلطة في إسبانيا بعد الانتخابات العامة الأخيرة المنعقدة في 23 يوليو 2023م.

وخرجت في تاريخ 9 مارس 2024م مسيرة شعبية بوسط العاصمة الإسبانية مدريد، للمطالبة بأن يتقدم رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيث، باستقالته من منصبه، وذلك احتجاجا على توصل الحزب الاشتراكي الحاكم PSOE لاتفاق مع باقي الأحزاب اليسارية والانفصالية الكتالونية، يضمن تأييد الأغلبية البرلمانية المُطلقة لإقرار قانون العفو السياسي عن السجناء والقيادات الهاربة المنتمية للأحزاب الانفصالية الحاكمة في إقليم كتالونيا، وتحديدا رئيس الحكومة الكتالونية الأسبق والزعيم الحالي للائتلاف القومي الانفصالي “معا من أجل كتالونيا JUNTS”، كارليس بويغديمونت، الذي يضمن نواب حزبه السياسي (7 نواب) داخل البرلمان بقاء الحزب الاشتراكي في السلطة، إلى جانب دورهم المحوري في إقرار مختلف القوانين الهامة خلال الفترة الرئاسية الحالية، والتي تسعى الحكومة المركزية لإقرارها بدعم الأغلبية البرلمانية المُطلقة.

اعتبر المحتجون في هذه المسيرة الشعبية بأن إسبانيا تشهد حالة من التدهور السياسي والمجتمعي والمؤسسي منذ وصول رئيس الحكومة المركزية الحالي، بيدرو سانشيث، إلى سدة الحكم في البلاد، وهو التدهور الذي اعتبروا بأنه يمثل تهديدا يدفع إسبانيا إلى انهيار خطير يعصف بالنظام الديموقراطي والسلام والتعايش السلمي داخل البلاد. واتهم المتظاهرون رئيس الحكومة الإسبانية بالكذب والخيانة، مؤكدين على رفضهم لقانون العفو السياسي. فيما شددت القيادات المنتمية للحزب الشعبي المُعارض PP بأنها لن تتوقف عن التنديد بهذا القانون أمام مؤسسات الدولة الاسبانية وساحات القضاء وأمام المؤسسات الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، وأنها ستواصل الوقوف إلى جانب الشارع الاسباني في تلك الاحتجاجات التي تخرج اعتراضا على إقرار هذا القانون الذي يُمثل رضوخا واضحا لمطالبات الأحزاب الانفصالية الكتالونية وقياداتها المسجونة والهاربة.

ورغم كل ذلك، تشير جميع الشواهد إلى أن الجلسة البرلمانية، التي ستُعقد خلال الأيام المُقبلة للتصويت داخل مجلس النواب على النص المُعدل من قانون العفو السياسي، ستنتهي إلى حصول هذا القانون على تأييد الأغلبية البرلمانية المُطلقة، خاصة وأن الحزب الاشتراكي الحاكم PSOE قد ضمن دعم وتأييد نواب حزبه والأحزاب اليسارية الأخرى، إلى جانب كل من الأحزاب الانفصالية الكتالونية والباسكية، وتحديدا نواب الائتلاف القومي الكتالوني “معا من أجل كتالونيا JUNTS” الذين سيصوتون هذه المرة بنعم، بعدما تأكدوا من إدراج التعديلات التي طالبوا بها في وقت سابق في النص الجديد لقانون العفو السياسي. والسؤال هنا: هل جاء إصرار الحزب الاشتراكي الحاكم في إسبانيا على إقرار هذا القانون فقط لضمان تأييد الأغلبية البرلمانية له داخل مجلس النواب للبقاء في السلطة خلال الفترة الرئاسية الحالية (2023- 2027م)، من خلال استرضاء الأحزاب القومية والانفصالية في كتالونيا، أم أن نية الحزب الحاكم من إقرار هذا القانون هو البدء في وضع حلول سياسية ومن خلال الحوار والتفاهم مع القوى الانفصالية الحاكمة في إقليم كتالونيا، ووضع نهاية لهذه الأزمة التي يعيشها الإقليم الإسباني منذ عام 2017م. والإجابة هي أن الحزب الاشتراكي يجد نفسه مضطرا لمواصلة استرضاء هذه القوى الانفصالية الكتالونية، فخسارة دعمها وتأييد نوابها داخل البرلمان سيعني الإطاحة بالحكومة الائتلافية المركزية في إسبانيا بقيادة الحزب الاشتراكي وشريكه الرئيسي في الحكم وهي حركة اتحاد قوى اليسار Sumar.